تمر الأيام و الشهور و السنين ..
محملة بالأحداث .. أحداث سعيدة .. أو تعيسة ..
و مهما كانت الأحداث فالحياة تستمر لأجل غير مسمى ..
كل منا يتعرض للبلاء .. تتكاثر الهموم أحيانا ..
نصل الى قمة الحزن .. نغوص في أعماق النفس..
...يسيطر علينا شعور .. بأن مصابنا
لا يخطر على بال
و لا يمر به أحد غيرنا ..
يضيع الحزن بعد فترة و تأتي فترات سعادة ..
فعندما نتذكر و قتها حزننا الماضي .. يعد ذكرى ..
نعلم أنه كان بلاء أو ابتلاء .. و لكن الشعور قد تجمد ..
يمكن أن نهتز قليلا أو نتذكر ما ألِم بنا سابقا فنحزن ..و لكن ..
تكون لحظات نعبر خلالها و تمر …و تستمر الحياة ..
أليست هذه نعمة من الله؟
ألا و هى نعمة النسيان ..
نعمة .. لولاها لبقينا في زمرة الأحزان …
و انطوينا داخل بحر من الهموم نغوص فيه
فلا نكاد نرتفع على سطحه حتى تلطمنا أمواجه …
و نظل نصارع أمواج الحزن حتى نتعب .. نكِل .. و يصبينا الإعياء
الحمد لله أن أنعم علينا بالنسيان ..
لولا نعمة النسيان لظل البال مرهق..
و ظل الفكر في عناء ..
النسيان بمثابة عزاء لنا ..كثيرا يكون النسيان هو الحل الوحيد
و لو أخذ من الوقت أو الجهد ..!
ننسى حتى لا نرهق أنفسنا أكثر و لا نرهق من حولنا ..
و خاصة ان لم يتواجد حلا بديلا
يكون لحظتها النسيان الحل الأمثل ..
و ليس الحل اليسير أو السريع ..
لكن بعد مرور الوقت ..
نقول..
لولا أننى نسيت .. لما كنت لحظة تهنيت
يرتاح الفكر و تسكن العبرات في غيمة النسيان ..
أنسى ..و الكل ينسى .. أحيانا نتناسى ..
التناسي مطلوب اذا رجى منه راحة القلب و البال
و اذا كان التناسي هو الملجأ الآمن بعيدا عن أشياء تكدرنا
و ليس بيدنا شىء نفعله الا التناسي ..
لكن التناسي مذموم عندما ينبع من التكاسل عن أمر هام
و السلبية و البعد بدلا من المواجهة ..
ونعمة النسيان رحمة من الله تعالى
كثير منا محمل بأطنان من الهموم….
تقل تدريجبا و ننسى أشياء و تأتى مكانها أشياء أخرى ..
فما بالنا لو لم نكن ننسى …!
لظل الإنسان يعبأ بالهموم الى أن يصل لنهايته ..
أو يعيش بلا حياة ..
إن مِن النسيان ما يكون نعمة ،
ومِن النسيان ما يكون نقمة ،
وشتان بين الاثنين في الفعل والتطبيق .
وعادتنا كبشر نبدأ البداية مع النقمة
فإن جاءت النعمة حمدنا الله وشكرنا له
– مع أن المؤمن لابد أن يشكر ويحمد الله في كل حالاته -
ولكنها النفس البشرية بقوتها وضعفها .
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
” بئس ما لأحدكم أن يقول نَسيت آية كَيتَ وكَيتَ بل هو نُسِّي .
استذكروا القرآن فَلَهُوَ أشد تَقَصُيا من صدور الرجال من النَعم ” .
رواه الشيخان والترمذي
نظرا لوجود تشابه في ألفاظ بعض آيات القرآن الكريم أحيانا
واختلافها أحيانا أخرى فإن حفظ القرآن قابل للنسيان إن لم يستذكر
لذلك يأمر الرسول صلى الله عليه وسلم باستذكار القرآن حفاظا
عليه من النسيان . وهنا إشارة إلى كراهة نسبة النسيان إلى النفس
نظرا لأن هناك معنا آخر للنسيان وهو تعمد إغفال العمل بأحكام الآيات
وهذا والعياذ بالله من سيء الأعمال . قال الله تعالى :
{ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى *
قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ ءَايَاتُنَا
فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى } (3) .
وفي هذا الحديث دليل على أن النسيان أمر محتمل للإنسان وليس بنقص
ولكن على الإنسان الجد والحرص على عدم النسيان بالاستذكار .
قال الله تعالى : { سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَى ………} .
وفي الحديث إشارة إلى مراقبة اللسان من التكلم حتى بكلام يقصد
غيره إن كان اللفظ الذي يستخدم يشير إلى أمر فيه إثم أو معصية .
فهنا رغم أن النسيان أمر متوقع للإنسان ،
إلا أن النهي عن نسبة هذا النسيان للنفس
على أنه أمر قد قام به الإنسان اختيارا وتعمدا ،
خشية أن يكون مشمولا بمن تعمد النسيان الذي يشير الله
في الآية السابقة . ويشبه ذلك قوله تعالى :
{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا }
. وذلك لأن اليهود استخدموا لفظة راعنا فنهى الله عن استخدام
ذلك اللفظ من قبل المسلمين .
النسيان الذي يكون هروبا هو : ضعف ،
كثيرا ما نتناسى مِن الحياة أمورا كثيرة ، وقد تكون في غالبها هامة ،
ونذهب ونتعمد الهروب بعيدا عن الشيء بحجة النسيان .
هنا لن نحل الأمر الذي نهرب منه ، بل على العكس نزيده سوء .
بين النسيان والتناسي شعرة
كالتي بين العبقرية والجنون .
الفرق يكون في الاعتقاد ، وتسكين الضمير ، وترطيب النفس
حتى تقبل الفعل المُراد التخلص منه بحجة النسيان وبفعل الأمر ” انس “
النسيان النعمة هو الذي وهبنا الله سبحانه وتعالى إياه ،
وجعله طريقا لتخفيف الألم ، وتضميد الجراح .
لكن ماذا لو كان النسيان ليس بتناسي وغير مقصود ؟
ماذا لو كان النسيان يفقدنا ما نريد تحقيقه ؟
كيف نقلل من النسيان وجبروته الذي لا يرحم ؟ .
لاشك أن أهم أمر يعين على ذلك هو تقوى الله سبحانه وتعالى