متقيئًا روحي |
يجيء الليلُ |
محتضرا |
كنار ذات وقدٍٍ أُطفئتْ للتوِّ |
وانقبضَ المكانْ |
واستسلمتْ أقتابُها الحرّى لبطن الأرضِ |
بحرا من ركامْ |
ما كانت النيران بردا أو سلاما |
كانت كبركانٍ تجرّع من خطايا الليل بركانًا |
أشدَّ تمردًا |
كانت صواعقَ تخطَف الأبصارَ |
تقترفُ الخطيئةْ |
تحثو حجارتها ؛ |
فتجعل كل شيء حولها عصفا تناهى الموت فيهِ |
وكنتُ قد علقتْ رموشي في جدار الليلِ |
منسلا من التاريخِ |
منفلتا من الأفُق الذي صد الحمامَ ، |
ومن رعاة الشاءِ |
من كلأ المراعي |
من تعاليم القبيلة |
وكأنني سهم رمته يد |
فأفلت من عقالٍ |
أنكر مطلع الشمس |
احتسى فوق السحاب شرابه |
وأراق هيكله الشقي على سواقي الرمل أشرع جسمه المعتل |
عـودا ناشفـا ؛ |
فبكى الغمام |
وأزهر الحنون من دمه |
وأبكى كل راع نايه |
وعلا ثغاء الماعز الجبلي .. |
شيء ما هنا يغتال أرواح الفصول ِ |
فيا لهذا الليل |
يأتي القلب أعمى |
لا يرى وهج النجوم |
ولا يرى وجه القمر |
ها إنها الأبصار لا تعمى |
ولكن القلوب هي التي ... |
* * * |
يا أيها الليل الطويل ألا انجل ِِ |
فالقلب مرتهن لقيد النار |
مصلوب على سعف النخيل |
معلق ما بين روحي والمدى |
صمتـا يئن |
وليس ثمة ياسمينُ |
وليس ثمة من ندى |
صوت من الصحراء يصرخ بي : |
تمهل أيها المعتم بالقلق الوجودي |
استعد عنوانك المنسي |
واهرب من بشاعتك القديمة |
يكفيك مقـتًا |
أن تنام على رؤاك المعتمات |
وأن تعض على ولائك للمنافي |
فيجرك الترحال نحو محيط يأس |
ليس آخره نهارا |
تمشي على زقومك المنبت من خصب الحياة |
فتسقط الكلمات من عينيك شعرا |
فيه تقتتل الحروف |
وتهرب الحناء من شفتيك خوفا |
تقتفيك عقارب الكلمات |
تبحث عنك في أضلاعك الكسلى |
وفي صلصالك المدمي |
مذ فارقتَ |
عرس البيدر المحفوف بالصلوات |
وانتهبتك نار الردة الكبرى |
ونام الليل في صدرك |
نام الليل … نام الليل … |
أشباحا تمص العشب من رئتيك |
تلقي الرعب في صدرك |
وتأخذ منك آخر ومضة في العين ِ |
يقتلك اجتراحُ الشوق ِ |
كل حدائق العشاق في عينيك |
شوك أو حريقْ |
ها .. كبرياؤك عاجزةْ |
هرم ولكن من رمادْ .. |
عرش من القش استطالْ .. |
ومناك ليس لها رموشٌ |
تحفظ الأسرار من ريح السَّموم ِ |
فيستبد بها الغبارْ |
شفتاك عاجزتان عن لثم الندى |
ومسام جلدك تسكب الآهات في شفة النهارْ .. |
وتسمم الأزهارَ |
تلتمس الهروب من البياض ِ |
إلى المحطات البعيدةْ |
تمشي وتعبث بالمرايا البيض |
تستبق الحصار إلى الحصارْ |
متسكعًا .. |
في كل وجه للتشرد ماثلا كفنًا |
يمزقه الوجومْ |
حيرانَ في طول المسافةِ |
يرتديك الخوف |
يحملك العويلْ |
بردانَ .. |
تنتكث الذي نسجته أمك بالدموعِ |
فلم تزل عيّ الفؤاد |
ولم تزل هش الضلوعْ |
وتظل وحدك نائحا |
ويظل ينهبك السدى |
وتظل أبعد ما تكون |
من الرجوعْ |
تركتك أشرعة الرفاق |
فرحت تبحث عن ملاذ |
رحت تبحث في المدى |
عن كربلاء |
لعلها تعطيك معنى للوجود ِ |
وكل شيء دون عينيك اقتراف للتراجعْ |
يكفيك أنك لا تناجي الليل مثل بقية الشعراء .. |
تعوي مثل ذئب تاه في الصحراء ، |
أجهش بالعواء |
وأطلق العينين للريح .. |
استبد النزف في جفنيه ؛ |
فاغتيل النهارُ .. |
فكن إذا أوهتك أوهام المآرب عنكبوتا |
يختفي خلف الكلام .. يخيفه عبق القصيدة |
تخشى من الكلمات |
حين تجيء حبلى بغتة ؛ |
فتنوء بالأجل المسمى للكلام |
يكفيك أن مسام جلدك ليس فيها برعم |
يزهو إذا صب النسيم على ذراعك شهوة العشاق |
أو شهق المساء على فؤادك ياسمين |
لو قبلتك حمامة ؛ |
شفتاك تختبئان خلف غمامتين |
أو رشك العشاق بالنسرين ؛ |
أدماك الأنين .. |
كن مثل جوف النار أسودَ |
أو كبحر من جحيمْ |
* * * |